"طوفان الأقصى" يعيد الحياة لفيلم "جولدا" بعد 8 شهور من عرضه في مهرجان برلين 

جولدا
جولدا

 

تزامنا مع انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني فيما عرف إعلاميا بـ "طوفان الأقصى"، عاد للحياة مجددا الحديث عن الفيلم البريطاني الإسرائيلي "جولدا"، الذي حظي بانتقاد عربي كبير إبان عرضه الأول في مهرجان برلين السينمائي في فبراير الماضي، لما حمله من مغالطات تاريخية تخص حرب أكتوبر التي تعد الحدث الأهم عربيا منذ خمسين عاما، فكان التركيز على حياة رئيسة الوزراء الإسرائيلية "جولدا مائير" الخاصة، ومعاناتها مع مرض السرطان تحديا جديدا ناضل من أجله المخرج الإسرائيلي جاي ناتيف، تفنن في صنع فيلما متماسكا عن الأيام الأربعة عشر التي استطاع خلالها الجيش المصري إلحاق العار بالكيان الصهيوني، وإعادته إلى ثكناته وتطهير الأراضي المصرية من المحتل الغاصب فيما أسموها "حرب الغفران"، ومجدها المصريون والعرب بانتصارات أكتوبر التي نحتفل بيوبيلها الذهبي هذا الشهر. 

 

الضحايا الفلسطينيون الذين اقترب عددهم حتى اليوم من الألف شهيد على مدار خمسة أيام هي بداية الطوفان الجديد، روت دماءهم الطاهرة البقعة الوحيدة غير المحتلة حتى اليوم ، هؤلاء الضحايا ومن ظل يناضل من أجل تحرير وطنه يحظون بتأييد مصري وعربي كبير، تتضح ملامحه عبر وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة، استعان عدد كبير من نشطاءها بصور من فيلم "جولدا"، إلى جانب مسلسلات وأفلام مصرية عن الجاسوسية وحرب أكتوبر مثل "دموع في عيون وقحة" و"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"العمر لحظة" و"رأفت الهجان"، وتزامن عرض فيلم "جولدا" على إحدى المنصات الرقمية مع الانتفاضة الفلسطينية والاحتفال بخمسين عاما على انتصارات أكتوبر، جعل الإقبال على مشاهدته مضاعفا، وهو أمرا مقصودا إلى حد كبير، فهو محاولة لتبرئة ساحة المرأة الأكثر دموية في التاريخ الحديث، وأول إمرأة تسلمت الحكم في إسرائيل بين عامي 1969 و1974. 

 

الفيلم يتناول اللحظات الحاسمة قبل إندلاع حرب أكتوبر وما صاحبها من قرارات داخل الموساد الإسرائيلي بقيادة جولدا مائير، والتشدق بالخديعة والمباغتة من قبل الجيش المصري وتعاملهم السياسي بعيدا عن الدماء في بداية الأزمة، والخطة المحكمة التي وضعتها مائير للضغط على الرئيس المصري "السادات" للاعتراف بدولة إسرائيل، إلى جانب الإنسانية التي تتعامل بها مائير مع مشاهد تبادل الأسرى، والحميمية التي تستقبل بها زوارها في منزلها، استمرارا لتزييف التاريخ التي عهدناها من الإعلام الإسرائيلي دوما، وهو ما برع في تصديره للعالم بشتى الوسائل واكتسب تعاطفه وشرعيته الوهمية. 

 

المخرج جاي ناتيف قدم فيلمه "جولدا" الذي يمثل سيرة ذاتية لرئيسة الوزراء الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر المجيدة، ورؤيتها لأسباب الأزمة وكواليسها من اجتماعات مع وزراء إسرائيل وكبار قادتها، والاتصالات الهاتفية بالحكومة الأمريكية حتى وصلت لاتفاق مع مصر بإيقاف إطلاق النار بعد حادثة الثغرة الشهيرة، ومتابعتها عن كثب لأدق التفاصيل رغم أزمتها الصحية، ودور الجاسوسية من الجانب المصري في ارتباك المشهد الإسرائيلي، مع التركيز على العديد من التفاصيل البسيطة في شخصية بطلة الفيلم وفريقه بالكامل، سردت الكثير منها جولدا في مذكراتها كالسيجارة التي تلازمها حتى داخل المستشفى قبل خضوعها لجلسات الإشعاع الذري، وتسريحة شعرها وحقيبة يدها وحذاءها بجانب الماكياج الذي جعل مائير تعود للحياة على الشاشة. 

 

بطلة الفيلم الممثلة البريطانية هيلين ميرين تنتظر جائزة الأوسكار عن أداءها لشخصية جولدا، لتتوج بالجائزة الأوسكارية الثانية بعد حصولها عليها عن أداءها لشخصية الملكة إليزابيث الثانية، أغلب المشاهد داخلية في أنفاق وممرات تفضي إلى غرف التجهيزات والمتابعات، أجواء الحرب تحاصرك أثناء عرض الفيلم دون الحاجة للتصوير على أرض المعركة، وهو ما استعاض عنه "ناتيف" بالأصوات التي تتردد عبر الأجهزة اللاسلكية والمكالمات الهاتفية مع القادة، وانعكاس كافة التطورات على وجه السيدة العجوز التي تدير الأزمة، تارة في أوج قوتها وأخرى في قاع ضعفها الإنساني، اختلفت مع الرسالة المراد إيصالها لا يعني إنكارك لأهمية العمل الفني بعيدا عن الأيدلوجيات العسكرية. 

ترشيحاتنا